تخطى إلى المحتوى

حديث أين الله

    حديث أين الله

    لفضيلة الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني المشهور بالألباني رحمه الله

    ( خلاصة كلام الشيخ في حديث الجارية التي قالت في السماء أنه حديث صحيح أخرجه مسلم ولا مطعن فيه )

    الملقي: شيخنا في أحد الأخوة جاء من إربد قبل قليل يبلغك السلام، ويسأل بالنسبة لحديث الجارية اللي سألها الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم -: «أين الله؟»، فيقول: هذا الحديث هل ذكر أحد من أهل العلم ضعف هذا الحديث أو شيء؟ مع أنه موجود طبعاً في صحيح مسلم.
    الشيخ: إي نعم.
    الملقي: هل في أحد من أهل العلم ضعَّف هذا الحديث على مر العصور؟

    الشيخ: لا يوجد مطلقاً من طعن في هذا الحديث إلا بعض جهمية العصر الحاضر بس، وعلى رأسهم الشيخ زاهد الكوثري، والحقيقة أقول: هذا الإنسان لولا أنه ابتلي بالعصبية المذهبية الحنفية في الفروع، والماتريدية في العقيدة لكان علامة زمانه في علم الحديث وفي معرفته بتراجم الرجال، ومعرفته بالكتب المخطوطة بحكم كونه كان في اسطنبول، واسطنبول فيها آثار علماء المسلمين على مر الدهور والعصور مجموعة هناك فكان متفرغاً، ولذلك فهو يتحدث عن كتب وعن روايات موجودة في بطون هذه الكتب، أستطيع أن أقول: لا يعرفها أحد في زمانه إلا هو، لكن مع الأسف لم ينفعه علمه هذا لغلبة العصبية المذهبية والفكرية عليه، هو الذي حاول غمط حق هذا الحديث الصحيح، بطريقة اللف والدوران ومحاولة إيجاد علل أو علة على الأقل في هذا الحديث، ولكنه لم يستطع أن يفعل ذلك علمياً، إلا أنه أوهم طبعاً من يلوذ به ومن يدور في فلكه أنه هذا الحديث فيه طعن ولو رواه الإمام مسلم في صحيحه

     

    والحقيقة أنه لا مطعن فيه، ولعلكم تعلمون أننا بفضل الله عليه عز وجل ورحمته، مع أنني أرجو أن يحشرني ربي في زمرة أهل الحديث، فأنا لا أتعصب لا للبخاري ولا لمسلم، ولي بعض كتابات أرد بعض الأحاديث الموجودة فيهما، فلو وجدت في هذا الحديث ما ادعاه الرجل لكنت أول من أشاع بهذا الضعف؛ لأنه لا يجوز التقول على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -، خاصة في مسألة تتعلق بالعقيدة، ولكن مع ذلك هذا الطاعن في هذا الحديث يوهمه شيطانه أنه لو استطاع أن يثبت ضعفه يوهمه شيطانه أنه هدم العقيدة السلفية التي تقول بأن الله عز وجل من صفاته العلو على جميع خلقه، لا يستفيد شيئاً، نحن حينما نتكلم عن هذا السؤال النبوي الكريم، وإجابة الجارية عليه بالجواب السليم، نحن نقول: انظروا جواب الجارية هذه راعية الغنم، أصح من جواب شيخ الأزهر الشريف، لماذا؟ لأن شيخ الأزهر هاللي قضى عمره في دراسة العقيدة -زعم- تخرج من غير مدرسة محمد عليه السلام، وإنما تخرج من مدرسة علم الكلام، أما تلك الجارية وهي راعية غنم، فهي تخرجت من مدرسة الرسول عليه السلام، والآن تَفَكَّروا معي: كيف عَرَفتْ هذه الجارية وهي راعية غنم هي امرأة أولاً، وراعية غنم ثانياً، وهي لا يمكنها أن تحضر دروس بين يدي الرسول عليه السلام كما يفعل الرجال، وهل تتصورون أن أكثر أصحاب الرسول كانوا يحضرون دروسه أم أقلهم.
    مداخلة: أقلهم …
    الشيخ: أنا أقول: أقلهم، ولذلك فالإمام ابن القيم رحمه الله يقول: لا يوجد في الألوف المؤلفة من الصحابة من كان يفتي إلا نحو مائتين، مائتين من الصحابة علماء والبقية بقى داخلون في قول الذي يروى عن معاذ: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً، فهم واحد من التلاتة لكن ما كانوا الرابعة، ولا تكن الرابعة فتهلك؛ إذا كان الرجال هكذا فماذا نقول عن النساء، أقل وأقل بكثير

    هنا يأتي السؤال: كيف عرفت هذه الجارية هذا الراعية للغنم كيف عرفت الجواب الصحيح لهذا السؤال النبوي: «أين الله؟»، قالت: في السماء، وتسأل اليوم العلماء والدكاترة بيقولوا لك: الله موجود في كل وجود.
    مداخلة: ينكرون أصل السؤال.
    الشيخ: نعم.
    مداخلة: يُنكروا أصل السؤال.
    الشيخ: ينكروا أصل السؤال أحسنت، بيحملقوا بأعينهم: أأأ … شو هذا السؤال، هذا السؤال ما بيجوز!!

    أعوذ بالله، يا رجل أنت ما تدري تنكر على الرسول عليه السلام هو الذي سن لنا هذا السؤال، ما يدرون؛ لأنهم لا يتفقهون في الدين، الشاهد، كيف عرفت هذه الجارية الجواب الصحيح، لأنها تخرجت من مدرسة الرسول، هل كانت مدرسة الرسول -هنا النكتة(يعني فائدة)-، مدرسة الرسول كانت محصورة في مسجده، حيث لا يحضره إلا أقل الرجال، لا، كانت منتشرة؛ كيف ذلك؟ الذين يحضرون يُبلِّغون من وراءهم، يبلغون نساءهم بناتهم وو إلى آخره، فينتشر الفقه المحمدي في المجتمع المحمدي ويصل هذا الفقه إلى من؟ إلى هذه الراعية، من علَّمها سيدها؛ لأنه مسؤول عنها: « كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته » ، فإذاً يجب علينا نحن أن نهتم بتبليغ العلم كما جاء في الأحاديث الصحيحة «فليبلغ الشاهد الغائب» .

    “الهدى والنور” (533/ 27: 52: 00)

     

    ويراجع كتاب:

    العلو للعلي الغفار. من تأليف الإمام الذهبي وهو من أهم الكتب المصنفة في مسألة العلو, جمع فيه النصوص من الكتاب، والسنة، وآثار السلف والأئمة في إثبات علو الله عز وجل على عرشه، والرد على النفاة والمؤولة لهذه الصفة.

     

    إثبات علو الله عز وجل على خلقه

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “علو الخالق على المخلوق وأنه فوق العالم، أمر مستقر في فطر العباد، معلوم لهم بالضرورة، كما اتفق عليه جميع الأمم، إقراراً بذلك، وتصديقاً من غير أن يتواطؤا على ذلك ويتشاعروا، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون التصديق بذلك في فطرهم.
    وكذلك هم عندما يضطرون إلى قصد الله وإرادته، مثل قصده عند الدعاء والمسألة، يضطرون إلى توجه قلوبهم إلى العلو، فكما أنهم مضطرون إلى أن يوجهوا قلوبهم إلى العلو إليه، لا يجدون في قلوبهم توجهاً إلى جهة أخرى، ولا استواء الجهات كلها عندها وخلو القلب عن قصد جهة من الجهات بل يجدون قلوبهم مضطرة إلى أن تقصد جهة علوهم دون غيرها من الجهات.
    فهذا يتضمن بيان اضطرارهم إلى قصده في العلو وتوجههم عند دعائه إلى العلو، كما يتضمن فطرتهم على الإقرار بأنه في العلو والتصديق بذلك” انظر درء تعارض العقل والنقل (7/5) بتصرف

     

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

    فأما الكتاب والسنة فإنهما مملوءان بما هو صريح، أو ظاهر في إثبات علو الله – تعالى – بذاته فوق خلقه.
    وقد تنوعت دلالتهما على ذلك:

    فتارة بذكر العلو، والفوقية، والاستواء على العرش، وكونه في السماء،

    مثل قوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] ، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] . {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] . {الرَّحْمَنُ عَلَى

    الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [تبارك: 16] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: “والعرش فوق ذلك، والله فوق العرش”  ، وقوله: “ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء”  .

    وتارة بصعود الأشياء، وعروجها، ورفعها إليه، مثل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} [فاطر: 10] ، وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4] ، وقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158] . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: “ولا يصعد إلى الله إلا الطيّب”، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: “ثم يعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم”، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: “يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل” رواه أحمد.

    وتارة بنزول الأشياء منه، ونحو ذلك، مثل قوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 8] ، وقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل: 102] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: “ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر”  .

    إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تواترت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، في علو الله تعالى على خلقه، تواتراً يوجب علماً ضروريًّا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قالها عن ربه، وتلقتها أمته عنه.

    وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، وأئمة أهل السنة على أن الله تعالى فوق سماواته على عرشه،

    وكلامهم مملوء بذلك نصًّا وظاهراً. قال الأوزاعي: “كنّا والتابعون متوافرون. نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما جاءت به السنة من الصفات” (1) . قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم النافي لصفات الله وعلوه؛ ليعرف الناس أن مذهب السلف كان يُخالف مذهب جَهْم.

    ولم يقل أحد من السلف قطّ: إن الله ليس في السماء، ولا إنه بذاته في كل مكان، ولا إن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه، بل قد أشار إليه أعلم الخلق به في حجة الوداع يوم عرفة في ذلك المجمع العظيم، حينما رفع إصبعه إلى السماء، يقول: “اللهم اشهد”، يُشهد ربه على إقرار أمته بإبلاغه الرسالة، صلوات الله وسلامه عليه.

    وأما العقل: فإن كل عقل صريح يدل على وجوب علو الله بذاته فوق خلقه، من وجهين:
    الأول – أن العلو صفة كمال، والله تعالى قد وجب له الكمال المطلق من جميع الوجوه، فلزم ثبوت العلو له تبارك وتعالى.

    الثاني – أن العلو ضده السفل، والسفل صفة نقص، والله تعالى مُنزّه عن جميع صفات النقص، فلزم تنزيهه عن السفل،

    وثبوت ضده له، وهو العلو.

    وأما الفطرة: فإن الله تعالى فطر الخلق كلهم: العرب، والعجم حتى البهائم على الإيمان به وبعلوّه، فما من عبد يتوجه إلى ربه بدعاء أو عبادة إلا وجد من نفسه ضرورة بطلب العلو، وارتفاع قلبه إلى السماء لا يلتفت إلى غيره يميناً، ولا شمالاً، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين والأهواء.

    وكان أبو المعالي الجويني يقول في مجلسه  : “كان الله ولا شيء وهو الآن على ما كان عليه”؛ (يُعرّض بإنكار استواء الله على عرشه) ، فقال أبو جعفر الهمداني: “دعنا من ذكر العرش – أيْ: لأنه ثبت بالسمع – وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، ما قال عارف قطّ: يا الله! إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو، لا يلتفت يمنة، ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة من قلوبنا؟ “.

    فصرخ أبو المعالي ولطم رأسه، وقال: “حيرني الهمداني، حيرني الهمداني”.

    [ فتح رب البرية بتلخيص الحموية ]

     

    واقرأ: تنكح المرأة لأربع حديث