تخطى إلى المحتوى

شرح حديث من كان همه الاخره اتته الدنيا راغمه

    شرح حديث من كان همه الاخره اتته الدنيا راغمه

     

    عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له»

     

    أخرجه الترمذي في سننه برقم: 2465 وصححه الشيخ الألباني.

     

    [ نبين لكم في هذه المقالة شرح الحديث مع ذكر فوائد الحديث وأيضا إن كان هناك حاجة لذكر مسائل متعلقة بالحديث نوردها هنا , ونحث الجميع أن ينشروا المقالات بين إخوانهم وأقربائهم وأصدقائهم وفي مواقع التواصل مع احتساب الأجر والنية في نشر الخير ] 

     شرح الحديث

    قوله (من كانت الآخرة همه) أي قصده ونيته ومطلبه.

     

    قوله ( جعل الله غناه في قلبه ) أي جعله قانعا بالكفاف والكفاية كيلا يتعب في طلب الزيادة

     

    ( وجمع له شمله ) أي أموره المتفرقة بأن جعله مجموع الخاطر بتهيئة أسبابه من حيث لا يشعر به

     

    ( وأتته الدنيا ) أي ما قدر وقسم له منها ( وهي راغمة ) أي ذليلة حقيرة تابعة له أي تقصده طوعا وكرها لا يحتاج في طلبها إلى سعي كثير بل تأتيه هينة لينة على رغم أنفها وأنف أربابها

     

    ( ومن كانت الدنيا همه ) وفي المشكاة ومن كانت نيته طلب الدنيا

     

    ( جعل الله فقره بين عينيه ) أي جنس الاحتياج إلى الخلق كالأمر المحسوس منصوبا بين عينيه

     

    ( وفرق عليه شمله ) أي أموره المجتمعة

     

    ( ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ) أي وهو راغم فلا يأتيه ما يطلب من الزيادة على رغم أنفه وأنف أصحابه

    فيكون معنى الأول وأتاه ما كتب له من الدنيا وهي راغمة ومعنى الثاني وأتاه ما كتب له من الدنيا وهو راغم.

      

    قال السندي:

    فَالْحَاصِل أَنَّ مَا كُتِبَ لِلْعَبْدِ مِنْ الرِّزْق يَأْتِيه لَا مَحَالَة إِلَّا أَنَّهُ مَنْ طَلَبَ الْآخِرَة يَأْتِيه بِلَا تَعَب وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا يَأْتِيه بِتَعَبٍ وَشِدَّة فَطَالِب الْآخِرَة قَدْ جَمَعَ بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّ الْمَطْلُوب مَنْ جَمَعَ الْمَال الرَّاحَة فِي الدُّنْيَا وَقَدْ حَصَلَتْ لِطَالِبِ الْآخِرَة وَطَالِب الدُّنْيَا قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا فِي التَّعَب الشَّدِيد فِي طَلَبهَا فَأَيْ فَائِدَة لَهُ فِي الْمَال إِذَا فَاتَتْ الرَّاحَة اهـ.

     

    قال ابن القيم في إغاثة اللهفان:

    ..تعذيب طلاب الدنيا ومحبيها ومؤثريها على الآخرة : بالحرص على تحصيلها والتعب العظيم في جمعها ومقاساة أنواع المشاق في ذلك فلا تجد أتعب ممن الدنيا أكبر همه وهو حريص بجهده على تحصيلها والعذاب هنا هو الألم والمشقة والنصب اهـ.

     

     

    حكم جمع المال

    وجمع المال إذا قام فيه بالواجبات ولم يكتسبه من الحرام لا يعاقب عليه لكن إخراج الفضل والاقتصار على الكفاية أفضل وأسلم وأفرغ للقلب وأجمع للهم وأنفع للدنيا وللآخرة (مختصر الفتاوى المصرية)

     

     

    الآثار الواردة في الزهد في الدنيا

    قال الحسن : « من أحب الدنيا وسرته خرج خوف الآخرة من قلبه ، ومن ازداد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا ، ولم يزدد من الله إلا بغضا » (الزهد لابن أبي الدنيا)

     

    قال عون بن عبد الله بن عتبة: كانوا يتواصون فيما بينهم بثلاثة أحرف يكتب بها بعضهم إلى بعض : « من عمل لله تعالى كفاه الله الناس ، ومن عمل لآخرته كفاه الله دنياه ، ومن أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته » (الزهد لابن أبي الدنيا)

     

    وفي بعض الآثار -ليس بحديث- « من ذا الذي يبني على موج البحر دارا ، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا » (الزهد لابن أبي الدنيا)

     

     

    موعظة بليغة متعلقة بـ شرح حديث من كان همه الاخره اتته الدنيا راغمه

    وهذا تلخيص منا لبعض النقاط التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله في عدة الصابرين:

    • وقد تواتر عن السلف أن حب الدنيا رأس الخطايا -لا يصح كحديث-

    وذلك معلوم بالتجربة والمشاهدة فإن حبها يدعو الى خطيئة ظاهرة وباطنة ولا سيما خطيئة يتوقف تحصيلها عليها فيسكر عاشقها حبها عن علمه بتلك الخطيئة وقبحها وعن كراهتها واجتنابها

    وحبها يوقع في الشبهات ثم في المكروهات ثم في المحرمات وطالما أوقع في الكفر.

    وهو الذى عمر النار بأهلها والزهد في الدنيا والرياسة هو الذى عمر الجنة بأهلها

    والسكر بحب الدنيا أعظم من السكر بشرب الخمر بكثير وصاحب هذا السكر لا يفيق منه الا في ظلمة اللحد

    ولو انكشف عنه غطاؤه في الدنيا لعلم ما كان فيه من السكر وانه اشد من سكر الخمر والدنيا تسحر العقول أعظم سحر

    قال يحيى بن معاذ الرازي الدنيا خمر الشيطان من سكر منها فلا يفيق إلا في عسكر الموتى نادما بين الخاسرين.

     

    • محبتها تعترض بين العبد وبين فعل ما يعود عليه نفعه في الآخرة لاشتغاله عنه بمحبوبه والناس ها هنا مراتب:
    • فمنهم من يشغله محبوبه عن الايمان وشرائعه
    • ومنهم من يشغله عن الواجبات التي تجب عليه لله ولخلقه فلا يقوم بها ظاهرا ولا باطنا
    • ومنهم من يشغله حبها عن كثير من الواجبات
    • ومنهم من يشغله عن واجب يعارض تحصيلها وان قام بغيره
    • ومنهم من يشغله عن القيام بالواجب في الوقت الذى ينبغي على الوجه الذى ينبغي فيفرط في وقته وفي حقوقه
    • ومنهم من يشغله عن عبودية قلبه في الواجب وتفريغه لله عند أدائه فيؤديه ظاهر الا باطنا وأين هذا من عشاق الدنيا ومحبيها هذا من أندرهم وأقل درجات حبها ان يشغل عن سعادة العبد وهو تفريغ القلب لحب الله ولسانه لذكره وجمع قلبه على لسانه وجمع لسانه وقلبه على ربه فعشقها ومحبتها تضر بالآخرة ولا بد

     

    • أن محبها أشد الناس عذابا بها وهو معذب فى دوره الثلاث يعذب فى الدنيا بتحصيلها والسعى فيها ومنازعة أهلها وفى دار البرزخ بفواتها والحسرة عليها وكونه قد حيل بينه وبين محبوبه على وجه لا يرجوا اجتماعه به ابدا ولم يحصل له هناك محبوب يعوضه عنه فهذا اشد الناس عذابا فى قبره يعمل الهم والغم والحزن والحسرة في روحه ما تعمل الديدان وهوام الأرض في جسمه.

     

    • أن عاشقها ومحبها الذى يؤثرها على الآخرة من أسفه الخلق وأقلهم عقلا اذ آثر الخيال على الحقيقة والمنام على اليقظة والظل الزائل على النعيم الدائم والدار الفانية على الدار الباقية وباع حياة الأبد في ارغد عيش بحياة انما هي أحلام نوم أو كظل زائل.

    واقرأ: تنكح المرأة لأربع حديث